* فتاة فى السابعة والعشرين فشلت فى الارتباط والزواج عدة مرات بسبب شعورها – المبالغ فيه - بقبح شكلها، مما كان يثير لديها الشعور الشديد بالنقص والخجل والارتباك.
باستعراض تاريخها الشخصى وخبراتها السابقة أتضح أنها كانت مقبولة من أكثر من شاب، ولكن زواجها لم يكتمل من أحدهم لأسباب مادية واجتماعية؛ مثل المغالاة فى المهر وعدم التكافؤ فى المستوى الاجتماعى، والمبالغة فى طموحاتها فى الصورة الخيالية المبهرة لفارس الأحلام المنتظر. وقد تضخمت مشاعرها السلبية وازدادت بمرور السنوات دون أن يظهر ذلك الفارس فى الأفق. وتضاعف توترها وقلقها حتى فارقها النوم، وإن نامت أفزعتها الكوابيس والأحلام المزعجة.
* شاب فى الرابعة والثلاثين تؤرقه طموحاته المتضخمة وأحلامه المتورمة، يعذبه تعجله ونفاد صبره، وهو دائم السعى إلى قطف الثمار قبل نضجها، وإلى التربع على قمة الهرم بدون متاعب أو آلام ناتجه عن صعوده.
ينشغل بأحلامه أكثر من اندماجه فى عمله وإتقانه... وبالطبع وصل إلى حالة من الاحباط واليأس.. وبعض المخاوف والأرق.
بالتأمل وتعديل التفكير يستطيع مثل هؤلاء الشباب التخلص من الأفكار غير العقلانية المسببة لتضخم الرغبات وتعجل تحقيقها، وحالات الإحباط النفسى الشديد المصاحبة والمشبعة بمشاعر الضيق والكدر والقلق والخوف من المستقبل وعدم الرضا بالواقع وبما قسمه الله للإنسان وقدره.
هذه بعض نماذج من شباب متخم بطموحات هائلة.. وإرادة عاجزة مترهلة، ونفوس ساخطة غير راضية.
الأسلوب البسيط والفعال فى مثل تلك الحالات هو: (التشبع بالرضا)، وهو ذو فائدة ملحوظة ونتيجة سريعة مباشرة حتى عند استخدامه بمفرده، فقد أدى إلى زوال الكآبة والغضب.. وانخفاض التوتر والقلق.. وتحقيق الشعور بالسلام والرضا والطمأنينة لعشرات ممن كانوا يعانون من قلق الصراع الدامى لتحقيق الرغبات والطموحات.
و(التشبع بالرضا) يعنى رضا الشخص عن قدراته وصورته وهيئته وإمكانياته التى منحها الله له..
و(التشبع بالرضا) يعنى ايضا غرس الأفكار الإيجابية وإثراء المشاعر المتفائلة، مع الاستعانة بالمخيلة والتكرار لتثبيت هذه العوامل الإيجابية فى الذهن... وطرد كل الأفكار والتصورات الانهزامية السابقة.
للاستفادة العملية من هذا الأسلوب يمكن للشخص أن يمارس الخطوات التالية (ويفضل أن يكون ذلك خلال جلسة خلوة علاجية) كالآتى:
- أن يتأمل الإنسان ويستعرض النعم التى وهبه الله إياها وأولها الصحة والستر والمال والولد... وكل نجاح حققه وكل إحسان أنجزه مهما كان محدوداً... وأن يتأمل ما أعطاه الله إياه من حواس وملكات ونعم وقدرات لا تقدر بمال، ولا يمكن تعويضها بكنوز الدنيا وما فيها.
ـ أن يستخرج من ذاكرته ما استطاع أن يقدمه ويتلقاه من حب وعطف من أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء والجيران، وأن يستخدم مخيلته وذاكرته فى اجترار واستعراض هذه النعم.
- أن يكرر وهو يستعرض نعم الله عليه وما حققه من إنجازات – مهما كانت ضئيلة ومحدودة – عبارة "الحمد لله .. الحمد لله" باستغراق ذهنى واندماج متجرد من نهم الرغبات والشهوات.
ـ أن يسجل فى مفكرته ثم يغرس فى ذهنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من الطمع وعدم القناعة بقوله: " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا " (أخرجه الشيخان والترمذى)... وأن يتبع ما أوصى به الإمام الغزالى رضى الله عنه بأن: يكثر الإنسان من تأمله فى تنعم الفجار والحمقى، ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء ويستمع أحاديثهم ويطالع أحوالهم، ويخير عقله بين أن يكون على مشابهة الفجار... أو الأبرار، فيهون عليه الصبر على القليل والقناعة باليسير. وأن يتحقق الإنسان بأن الرزق الذى قُدِر له لابد وأن يأتيه.. وإن لم يشتد حرصه، وأن يعرف أيضاً ما فى القناعة من عز الاستغناء... ومافى الحرص والطمع من الذل والمداهنة.
هذا هو أساس تعديل الأفكار والسلوك فى علاج الطمع وعدم القناعة الذى أتى به الإسلام منذ مئات السنين.
ـ كذلك لابد على الفرد أن يطرد من ذهنه أو يوقف فوراً حالة التفكير والانشغال الزائد بالطموحات المستقبلية!... وأن يعيش الواقع بالمتاح من الإمكانيات وأن يستمتع بالحياة فى حدود: (هنا والآن) كما يقول مبدأ مدرسة "الجشطلت" الألمانية فى العلاج النفسى.
تزكية القرآن للتخلص من الحزن
ذكر القرآن فى كثير من آياته مشاعر الحزن وضررها.. وضرورة الرضا بقضاء الله وإرادته..
"إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" (التوبة 40)
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" (آل عمران 139)
"ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة 112)
"فلا يحزنك قولهم إنّا نعلم ما يسرون وما يعلنون" (يس 76)
تذكر هذه الآيات والمعانى جيداً، وقم بترديدها... هى عاصم لك من كل طمع ويأس ومذلة.