محيط : جهان مصطفى - محمد مفتاح
بالتزامن مع استئناف جلسات محاكمة مبارك ، فوجيء المصريون بتطور خطير يتعلق بتناقض أقوال شهود الإثبات وتحول بعضهم إلى شهود نفي ، ما أثار قلقا واسعا تجاه سير القضية وإمكانية إفلات الرئيس السابق من العقاب .
وكانت الجلسة الرابعة لمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى و6 من كبار معاونيه ومساعديه السابقين والذين أسندت إليهم النيابة العامة تهم التحريض على قتل المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير شهدت مفاجأة عندما وجهت النيابة تهمة الشهادة الزور للشاهد الخامس النقيب محمد عبد الحكيم عامر من الأمن المركزي بعد إدلائه بشهادته كشاهد إثبات في قضية قتل المتظاهرين .
وجاء القرار السابق بعد أن قال عبد الحكيم في شهادته إنه لم ترد إليهم تعليمات بحمل أسلحة نارية في التظاهرات، نافيا تسليح قوات الشرطة بطلقات نارية .
وأضاف أنهم لم يحملوا مسدساتهم الخاصة أثناء التظاهرات لأن التعليمات كانت تقضي بعدم اصطحاب أي ضابط لسلاحه الشخصي خلال المظاهرات ، زاعما أن معلوماته عن إطلاق نار على المتظاهرين جاءت من التليفزيون ولا يستطيع تحديد من أطلق الرصاص عليهم.
وبالنظر إلى أن شهادة عبد الحكيم السابقة تتناقض مع أقواله التي سبق وأدلى بها في تحقيقات النيابة ، فقد طلبت النيابة من المحكمة التحفظ عليه تمهيدا لتحويله للمحاكمة بعدما طالب محامو المدعين بالحق المدني بتوجيه تهمة الشهادة الزور له .
ووافقت المحكمة على طلب النيابة وقررت التحفظ على الشاهد وتوجيه الاتهام إليه وبخاصة بعد أن أكد شاهد الإثبات السادس رقيب سلاح عبد الحميد راشد بالكتيبة الأولي بقطاع البساتين صدور قرار استبدال الرش بالخرطوش ، قائلا :" أرسل لي أمر من عمليات القطاع يوم الخميس 27 يناير بإستلام أسلحة من مخزن الرئاسة عبارة عن طلقات دفع".
كما أكد الشاهد السابع طارق عبد المنعم وهو ضابط شرطة سابق ومصاب من مصابي الثورة برصاص خرطوش قيام لواء شرطة و15 من معاونيه باقتحام الجامعة الأمريكية وإطلاق الرصاص على المتظاهرين من داخلها.
ورغم أن الشهادات السابقة تتناقض مع ما ذكره عبد الحكيم ، إلا أن المحكمة قضت في نهاية جلسة 7 سبتمبر ببراءته وعدم توجيه الاتهام إليه ، وتردد أن هذا القرار اتخذ نتيجة خطأ شكلي وقع فيه المحامي العام عندما قام بتوجيه التهمة للشاهد في مواجهة المحكمة.
قلق واسع
وأمام ما سبق وبالنظر إلى أن هيئة محكمة جنايات القاهرة استمعت إلى أقوال 7 شهود منذ بدء جلسات محاكمة مبارك فى 3 أغسطس ومنهم شاهد متهم باتلاف الاسطوانة المدمجة المسجل عليها الاتصالات بين الأمن المركزي والداخلية خلال أحداث الثورة ، فقد أعرب البعض عن تخوفهم من إمكانية ظهور تناقض أكثر وأكثر في شهادات الشهود خاصة أن الأمر بدا مبرمجا في جلسة 7 سبتمبر تحديدا .
وفي البداية ، أكد حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تصريحات له أن تناقض أقوال الشهود في المحكمة والنيابة العامة عبث واضح فى الأدلة تم بالتأثير والضغط عليهم لإبعاد التهمة عن مبارك والعادلى.
وأضاف أن هيئة المحكمة لابد أن تنتبه جيدا لهذا العبث وتضارب الأقوال حتى لا يثار الرأي العام وتزداد المحاكمة تعقيدا ، مشيرا إلى أن هذا العبث المتعلق بتغيير الأقوال يتم من جانب بعض التابعين للنظام البائد الذين لازالوا يمارسون أعمالهم وهم في مناصبهم .
وطالب أبو سعدة في هذا الصدد هيئة المحكمة بإعادة التحقيق في القضية مرة أخرى لأن التحقيقات لم تكن تسير في الإتجاه الصحيح ولأن هذه القضية تحديدا لها خصوصيتها الشديدة.
وفي السياق ذاته ، خرج أمير سالم مدير مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان هو الآخر بتصريحات أكد خلالها أنه تم إعادة برمجة للشهود سواء من قبل محاميي المتهمين أو من جانب قيادات الداخلية التي كان واضحا جدا أنهم مازالوا يدينون لمبارك والعادلي بالولاء .
وأشار إلى أنه حدث تحوير في محاور أساسية في شهاداتهم مما يؤدي إلى فتح ثغرات أمام دفاع المتهمين فيتحول الشهود بذلك من شهود إثبات إلى شهود نفي يسعون لتبرئة قياداتهم في الداخلية.
تصريحات كامل والخضيري والوحش
ورغم الصورة المتشائمة السابقة ، إلا أن هناك من يقلل من أهمية التناقض في شهادات الشهود ، حيث أكد الدكتور شريف كامل أستاذ القانون الجنائى بجامعة القاهرة أن محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلى لن تطول ، مشيراً إلى أن تناقض أقوال الشهود لن يؤثر على المحكمة.
وأضاف كامل في تصريحات للتليفزيون المصري أن القاضي الجنائي يضع نفسه في معزل عن كل المؤثرات الخارجية والقانون الجنائي يعطيه صلاحيات لفرض القانون والنظام داخل المحكمة بشكل مطلق وبكل سهولة.
وتابع أن الرأى العام ينتظر الحكم النهائى والقصاص ممن تسببوا فى قتل الشهداء ، وأكد مجددا أن تناقض أقوال الشهود لن يؤثر على سير القضية والمحكمة حريصة على عدم الإنصياع لأى شخص يعرقل سير المحاكمة.
واللافت للانتباه أن رأي المستشار محمود الخضيري رئيس نادي قضاة الإسكندرية السابق لم يختلف كثيرا عما ذكره كامل ، حيث أكد أن ما حدث فيما يتعلق بشهادة الشهود والذين تغير بعضهم من شهود إثبات إلى شهود لم يكن غريبا ومتوقعا ، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن يكون الشهود قد تعرضوا لضغط أو تأثير أو تخويف أو إرهاب ولهيئة المحكمة مطلق الحرية في أن تأخذ بأي الشهادتين شاءت .
وتابع في تصريحات للتليفزيون المصري أيضا أن المحكمة قد تطمئن للشهادة الأولى فتأخذ بها لأنها جاءت بعيدة عن أي تأثير خارجي أثناء تحقيقات النيابة.
ونصح الخضيري الرأي العام بالهدوء والصبر وعدم التعجل في إنهاء هذه المحاكمات ، لأن القضية كبيرة وملابساتها وتفاصيلها كثيرة ، فلا يجب الانتقاص في الإجراءات والخطوات القانونية حتى يخرج الحكم سليما من الناحية القانونية .
وفي السياق ذاته ، أكد المحامي المصري نبيه الوحش أيضا أنه لا يوجد أي مبرر للقلق ، مشددا على ثقته في إدانة مبارك ونجليه والعادلي ومعاونيه مهما حدث من الشهود أو من خلافات في قاعة المحكمة .
وقال الوحش في تصريحات صحفية في 7 سبتمبر : " من كرم الله أن سلطة القاضي تقديرية فالحكم يكون بناء على عقيدته واقتناعه ولا يقتصر على نصوص القانون فقط ".
وتابع " من الطبيعي أن يكون هناك تخوفاً أن يترك القاضي ثغرة لمحكمة النقض وهذا لم يحدث للآن".
وأوضح أنه حصل على فتوى من إدارة الفتوى بالأزهر توضح أن التناقضات البينة خاصة إذا كانت في شهادة أجريت في عدم وجود اكراه مادي أو معنوي تحمل في طياتها الشهادة الزور.
جلسة 7 سبتمبر
وكان مبارك وصل صباح الأربعاء الموافق 7 سبتمبر إلى مقر محكمة الجنايات بأكاديمية الشرطة محمولا على نقالة ومرتديا بدلة تدريب رياضية زرقاء .
وفيما قامت قوات الأمن والجيش باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع تكرار وقوع اشتباكات بين معارضي ومؤيدي مبارك ، توافد جمهور كبير من أسر شهداء ومصابي الثورة لمتابعة وقائع الجلسة الرابعة .
وكانت المفاجأة في جلسة 7 سبتمبر هي إعلان رئيس محكمة جنايات القاهرة القاضي أحمد رفعت أنه كلف النائب العام المستشار عبد المجيد محمود باستدعاء رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس أركان القوات المسلحة الفريق سامي عنان ونائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان ووزيري الداخلية الحالي والسابق للشهادة في القضية في جلسات سرية مقصورة على الحضور من هيئة الدفاع عن المدعين بالحق المدني والمتهمين ودفاعهم "لاعتبارات تتعلق بالحفاظ على الأمن القومي المصري ، كما قرر القاضي أحمد رفعت "حظر النشر محليا ودوليا" لهذه الجلسات.
وبصفة عامة وإلى حين اتضاح تطورات المحاكمة أكثر وأكثر ، فإن هناك مخاوف لدى البعض من إمكانية براءة مبارك الذي يواجه إضافة إلى تهمة التحريض على قتل المتظاهرين اتهامات تتعلق بقبول هدايا ومنافع بأثمان صورية مقابل استغلال نفوذه واشتراكه مع وزير البترول السابق سامح فهمي في ارتكاب جريمة تمكين حسين سالم من الحصول على منافع وأرباح مالية بإسناد شراء الغاز الطبيعي المصري للشركة التي يمثلها سالم وتصديره ونقله إلى إسرائيل بأسعار متدنية.