قمر المنتدي نائب مدير عام
الجنس : الابراج : الأبراج الصينية : عدد المساهمات : 277 نقاط : 650 تاريخ التسجيل : 20/01/2012 العمر : 28
بطاقة الشخصية ابو روان: 1
| موضوع: موقعة شَقْحَب أ. إبراهيم عبدالفضيل الخميس 21 يونيو 2012 - 15:09 | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
موقعة شَقْحَب أ. إبراهيم عبدالفضيل
موقعة شَقْحَب - (مَرْج الصُّفَّر) في شهر رمضان سنة اثنتين وسبعمائة
قال ابن كثير في "البداية والنهاية": "وأَثبتَ الشهرَ - شهر رمضان - ليلةَ الجمعة القاضي تقيُّ الدين الحنبلي، فإن السماء كانت مغيمة، فعُلِّقت القناديل، وصُلِّيت التراويح، واستبشر الناس بشهر رمضانَ وبركتِه، وأصبح الناسُ يوم الجمعة في همٍّ شديد، وخوف أكيد؛ لأنهم لا يعلمون ما خَبَرُ الناس...
أصبح الناس يوم السبت على ما كانوا عليه من الخوف وضيق الأمر، فرأَوْا من المآذن سوادًا وغبرة من ناحية العسكر والعدو، فغَلَب على الظنون أن الوقعةَ في هذا اليوم، فابتهلُوا إلى الله - عز وجل - بالدعاء في المساجد والبلد، وطلع النساء والصغار على الأسطحة وكشفوا رؤوسهم، وضجَّ البلد ضجة عظيمة، ووقَع في ذلك الوقت مطرٌ عظيم غزير، ثم سَكَنَ الناس، فلما كان بعد الظهر قُرِئت بطاقةٌ بالجامع تتضمن أن في الساعة الثانية من نهار السبت هذا اجتمعتِ الجيوشُ الشامية والمصرية مع السلطان في مَرْجِ الصُّفَّر، وفيها طلبُ الدعاءِ من الناس، والأمرُ بحفظ القلعة، والتحرز على الأسوار.
فدعا الناس في المآذن والبلد، وانقضى النهار، وكان يومًا مزعجًا هائلاً، وأصبح الناس يوم الأحد يتحدثون بكسر التتر، وخرج الناس إلى ناحية الكسوة، فرجعوا ومعهم شيء من المكاسب، ومعهم رؤوس من رؤوس التتر، وصارت كسرة التتار تقوَى وتتزايد قليلاً قليلاً حتى اتضحت جملة، ولكنَّ الناس لِمَا عندهم من شدة الخوف، وكثرة التتر - لا يُصدِّقون، فلما كان بعد الظهر قُرِئ كتابُ السلطان إلى متولي القلعة يُخبِر فيه باجتماع الجيش ظهرَ يوم السبت بشقحب وبالكسوة، ثم جاءت بطاقة بعد العصر من نائب السلطان جمال الدين آقوش الأفرم إلى نائب القلعة، مضمونُها أن الوقعةَ كانت من العصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد، وأن السيف كان يَعملُ في رقاب التتر ليلاً ونهارًا، وأنهم هربوا وفرُّوا واعتصموا بالجبال والتلال، وأنه لم يَسلَم منهم إلا القليلُ، فأمسى الناسُ وقد استقرَّت خواطرُهم، وتباشروا لهذا الفتح العظيم، والنصر المبارك، ودقت البشائر بالقلعة من أول النهار المذكور، ونُودِيَ بعد الظهر بإخراج الجفال من القلعة لأجل نزول السلطان بها، وشرعوا في الخروج، وفي يوم الاثنين رابع الشهر رجع الناسُ من الكسوة إلى دمشق فبشَّروا الناس بالنصر".
ويقول ابن كثير: وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس: إنكم في هذه الكرَّة منصورون، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا.
وكان يتأوَّل في ذلك أشياء من كتاب الله، منها قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60].
قال الصفدي في "الوافي بالوفيات": وبعد الظهر وقع المصاف، والتحم الحرب، فحمل التتار على الميمنة فكسروها، وقُتِل مقدَّمها الحسام أستاذ الدار، وثَبَتَ السلطان ذلك اليوم ثباتًا زائدًا عن الحد، واستمر القتال من العصر إلى الليل، ورد التتار من حملتهم على الميمنة بغَلَس وقد كَلَّ حدُّهم، فتعلقوا بالجبل المانع، وطلع الضوء يوم الأحد والمسلمون مُحدقون بالتتار، فلم يكن ضحوة إلا وقد رَكَنَ التتار إلى الفرار، وولَّوُا الأدبار، ونزل النصر، ودقت البشائر، وزُيِّن البلد.
وكان التتار نحوًا من خمسين ألفًا عليهم خطلو شاه نائب غازان، ورَجَع غازان من حلب ضيِّقَ الصدر مِن كَسرة أصحابه يوم عرض، وبهذه الكسرة سقطتْ قواه؛ لأنه لم يَعُد إليه من أصحابه غير الثلث، وتخطَّفهم أهل الحصون، وساق سلار وقبجق وراء المنهزمين إلى القريتين ولم ينكسر التتار مثل هذه المرة.
وحكى لي جماعة... أنهم كانوا يأتون إلينا عشرين عشرين، وأكثر أو أقل، ويطلبون منا أن نعدي بهم الفرات في الزواريق إلى ذلك البَرِّ، فما نعدي بمركب إلا ونقتل كُلَّ مَن فيه، حتى إن النساء كُنَّ يضربنهم بالفؤوس، ونحن نذبحهم في إثر ذلك، فما تركنا أحدًا منهم يعيش".
وقال في "أعيان العصر وأعوان النصر": "والذي أعتقده أنه مِن حين ظهر جنكيز خان ما جَرَى للمغول بعد واقعةِ عين جالوت ولا إلى يومنا - مثلُ واقعة شقحب، كادت تأتي على نوعهم فناءً، فإن الموت أهل بهم ورحَّب، وما نجا منهم إلا مَن حصَّنه الأجَل، أو اختار الأسْرَ لما وجد من الوجَل".
وقد نظم الناس في هذه الواقعة كثيرًا، ومن أحسنها - كما يقول الصفدي وبدر الدين العيني - قولُ شمس الدين الطيبي - رحمه الله تعالى -:
بَرْقُ الصَّوَارِمِ لِلأَبْصَارِ يَخْتَطِفُ *** وَالنَّقْعُ يَحْكِي سَحَابًا بِالدِّمَا يَكِفُ أَحْلَى وَأَعْلَى وَأَغْلَى قِيمَةً وَسَنَا *** مِنْ رِيقِ ثَغْرِ الغَوَانِي حِينَ يُرْتَشَفُ وَفِي قُدُودِ القَنَا مَعْنًى شُغِفْتُ بِهِ *** لاَ بِالقُدُودِ الَّتِي قَدْ زَانَهَا الهَيَفُ وَمَنْ غَدَا بِالخُدُودِ الحُمْرِ ذَا كَلَفٍ *** فَإِنَّنِي بِخُدُودِ البِيضِ لِي كَلَفُ وَلاَمَةُ الحَرْبِ فِي عَيْنَيَّ أَحْسَنُ مِنْ *** لاَمِ العَذَارِ الَّتِي فِي الخَدِّ تَنْعَطِفُ
ويقول فيها: لاَ عَيْشَ إِلاَّ لِفِتْيَانٍ إِذَا انْتُدِبُوا *** ثَارُوا وَإِنْ نَهَضُوا فِي غُمَّةٍ كَشَفُوا يَقِي بِهِمْ مِلَّةَ الإِسْلاَمِ نَاصِرُهَا *** كَمَا يَقِي الدُّرَّةَ المَكْنُونَةَ الصَّدَفُ قَامُوا لِقُوَّةِ دِينِ اللَّهِ مَا وَهَنُوا *** لِمَا أَصَابَهُمُ فِيهِ وَلاَ ضَعُفُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَانْتَصَرُوا *** مِنْ بَعْدِ ظُلْمٍ وَمِمَّا سَاءَهُمْ أَنِفُوا
ويقول فيها: يَا بَرْقُ بَلِّغْ إِلَى غَازَانَ[1] قِصَّتَهُمْ *** وَصِفْ فَقِصَّتُهُمْ مِنْ فَوْقِ مَا تَصِفُ بَشِّرْ بِهُلْكِهِمُ مُلْكَ العِرَاقِ لِكَيْ *** تُعْطِيكَ حُلْوَانَهَا حُلْوَانُ وَالنَّجَفُ وَإِنْ تُسَلْ عَنْهُمْ قُلْ قَدْ تَرَكْتُهُمُ *** كَالنَّخْلِ صَرْعَى فَلاَ تَمْرٌ وَلاَ سَعَفُ
إلى أن يقول: ذُوقُوا وَبَالَ تَعَدِّيكُمْ وَبَغْيِكُمُ *** فِي أَمْرِكُمْ وَلِكَأْسِ الخِزْيِ فَارْتَشِفُوا فَالحَمْدُ لِلَّهِ مُعْطِي النَّصْرِ نَاصِرَهُ *** وَكَاشِفِ الضُّرِّ حَيْثُ الحَالُ يَنْكَشِفُ
| |
|